التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خمسة جنيه


قصة كوميدية


يكتبها : حسام الدين فكري

 


1/5/2019 : في مساء حار بحي "حدائق القبة" في القاهرة، الشاب "سيد فوزي" يتوقف لدى أحد أكشاك السجائر؛ ليشتري علبة سجائره المفضلة. يدفع بالنقود إلى البائع، فيحصيها ثم يستخرج من بينها ورقة من فئة الجنيهات الخمسة ويعيدها إليه...

_ مالها دي؟!

_ مش هتمشي معايا..هات واحدة غيرها

_ ليه؟

_ دي دايبة ومقطوعة نصين وملزوقة "بالسلوتيب"..واللزق طالع منها كمان!

_ مفيش فكة تاني..يا إما تاخد بقى ورقة بمتين جنيه

يحسبها البائع في عقله بسرعة، أن يقبل هذه الورقة المهترئة ويحاول أن يفرضها على عميل آخر، أفضل من أن يستنفذ الأوراق المالية ذات الفئات الصغيرة، التي سيحتاج إليها مع عملاء آخرين، فيقبلها على مضض.

 

2/5/2019 : ضجة هائلة في قلب "سوق العبور" بطريق القاهرة – الإسماعيلية الصحراوي..يقترب أحد الأشخاص من حلقة "المتفرجين"، التي يتوسطها شخصان يتراشقان بكلمات حادة، وقد أمسك كل منهما بتلابيب الآخر..يسأل أحد الواقفين :

_ هو فيه إيه؟!

_ مش هتصدّق..الخناقة دي كلها على خمسة جنيه!

ثم يحكي له أن رجلاً اشترى بعض الفاكهة من أحد البائعين، وحينما أعطاه حسابه، أعاد له البائع ورقة ذات خمسة جنيهات وطالبه بغيرها، فرفض الرجل وأصر أنه لايملك سواها!.

في أصيل ذلك اليوم، سافر "سيد فوزي" إلى الأسكندرية، لقضاء يومين برفقة أحد أصدقائه في شقته بعروس البحر المتوسط.

 

3/5/2019 : في مدينة "المنصورة"..السيدة "أنيسة السعيد" (ربة منزل) تستقل سيارة "السيرفيس" التي تتحرك داخل المدينة..تعطي السائق خمسة جنيهات ليأخذ منها أجرته، فيعيدها إليها متذمراً، بدعوى أنها قديمة ومُلصقة...

_ معلش يا ابني..مفيش غيرها معايا..إبقى اديها للبنزينة

فيردّ عليها السائق متهكماً:

_ كان زمان ياحاجة..دلوقتي بياخدوا الفلوس القديمة بالعافية

ثم يستطرد قائلاً:

_ لو مفيش غيرها معاكي..ولا يهمك..خليها علينا خالص

ويصرّ السائق على رفض "الخمسة جنيه" فتظل مع السيدة، التي تمنحه جنيهاً واحداً كأجرة، بعد أن تنازل عن الجنيه الثاني، من أجرته المحددة بجنيهين!.

 

4/5/2019 : في مطعم شهير بمنطقة "الداون تاون" في بداية طريق الأسكندرية – القاهرة الصحراوي..الشاب "سيد فوزي" يدفع حساب السمك والجمبري وشوربة "السي فوود" التي تناولها هو وصديقه الإسكندراني.."الكاشير" يدفع إليه بباقي نقوده فيكتشف "الخمسة جنيه" إياها من بينها..يقول لصديقه مندهشاً:

_ الخمسة جنيه القديمة دي نفسها..كانت معايا من يومين!

_ يمكن شبهها..ماهي الفلوس القديمة كتير

_ عليّا النعمة هيه..حتى بأمارة "السلوتيب" اللي طالع منها ده

يطلب من الكاشير واحدة أخرى بدلاً منها، فيقول له:

_ مفيش فكة غيرها دلوقتي..يا إما تستنى معايا شوية..لغاية ماتيجي فكة تانيه

_ لا..أستنى إيه..ده أنا يادوبك ألحق القطر..أصل آخر قطر من اسكندرية للقاهرة بيطلع الساعة تمانيه بالليل..لو فاتني هضطر أستنى للساعة اتنين الصبح..لما ييجي القطر اللي بعده..هاتها بقى وخلاص..أمري لله

ينطلق إلى محطة القطار، موظف شباك التذاكر يتناولها منه فلا تروق له ويعيدها إليه...

_ معلش ياباشا..أكيد هتعرف تشوف لها تصريفة!

_ والله يا أستاذ لما بنيجي نوّرد الفلوس..مابيرضوش ياخدوا مننا الفلوس المقطوعة دي..طب ماهي جاية من الزباين..مش جايبنها يعني من بيوتنا..إنما تقول لمين بقى..على طول إحنا في الموّال ده..هاتها ياسيدي..أمري لله

_ أشكرك..ربنا يخلّيك..بس من فضلك لو معاك ورقة وقلم

يقوم بتدوين الأرقام المطبوعة على الورقة المالية، وهو يوضّح للرجل:

_ أنا أصلي قابلتها كذا مرة..كده بقى لو قابلتها تاني..هعرفها على طول!!

 

5/5/2019 : تتجه الطالبة الجامعية "سوسن رشيد" نحو سيارتها التي أوقفتها بأحد الشوارع الرئيسية في مدينة "دمياط الجديدة"..تلتقط ميدالية مفاتيحها من جيبها، فيما يقترب "السايس" منها..تقفز في سيارتها فيظل يوجهها حتى تعدل سيارتها على الطريق..فتدفع إليه بخمسة جنيهات كاملة يتناولها منها شاكراً..ينظر إلى الورقة النقدية بعد أن تنصرف فيكتشف أنها قديمة ومُلصقة، يتأملها مُحنقاً بضع لحظات، ثم لايلبث أن يضعها على جبهته وهو يحمد الله على مارزقه!.

 

6/5/2019 : مقهى "السلام" بمدينة "أخميم" في محافظة "سوهاج"..الأستاذ "وائل شاكر" مدرس اللغة الإنجليزية يدفع حساب المشروبات التي تناولها..صبي المقهى يلتقط ورقة "الخمسة جنيه" القديمة التي أعطاها له...

_ شوفلنا واحدة تانية يا "مستر"!

_ ليه..مالها؟!

_ دي دايبة ومقطوعة نصين وملزوقة..عارف البقعة البنية اللي عليها دي من إيه..ده واحد "ضرّيب" كان بيسيّح عليها حتة حشيش!

_ يعني هو يضرب عليها حشيش..وأنا معرفش أصرفها!!

يستعيدها الأستاذ "وائل" منه ويمنحه واحدة "سليمة" بدلاً عنها..ثم يسير في طريقه عائداً إلى منزله، فيجد متسولاً قد افترش الرصيف إلى جوار عمود إنارة..يقرر أن يعطيها له، فيُغرقه الرجل بسيل من الدعوات الحارة..يقول لنفسه : " الحمد لله..خلصت منها..وأخدت بيها ثواب كمان"!.

 

7/5/2019 : أمام كشك السجائر ذاته بمنطقة "حدائق القبة" بالقاهرة..يتوقف "سيد فوزي" ليشتري علبة سجائره..يُحصي البائع النقود التي منحها له، ثم يستخرج "خمسة جنيه" من بينها...

_ أنا أخدت منك الخمسة جنيه دي نفسها..من حوالي أسبوع..رجعتلك تاني إزاي؟!

يُدّقق "سيد فوزي" النظر فيها، ثم يُخرج من جيبه الورقة التي دوّن فيها أرقامها من قبل...

_ هيه فعلاً..بس ماكنتش فيها البقعة البنية دي..لا..كده كتير أوي..دي شكلها لازقالي بقى!!

يهّم بتمزيقها كي يتخلص منها، فيستوقفه البائع:

_ إنت هتعمل إيه..حرام ياجدع..دي برضه فلوس

_ طب ماتاخدها وانت ساكت..طالما هي فلوس!

_ خلاص هاتها

_ لا ياعم..وانت ذنبك إيه..أقولك..جاتلي فكرة أحسن..أنا هشيلها في محفظتي..علشان ملاقيهاش طلعالي تاني!

يدسّها "سيد فوزي" في حافظة نقوده، فتتحول إلى "قدم السعد" عليه، وتجلب له كثيراً من شقيقاتها ذوات الفئات الكبيرة..حتى صار يبدأ يومه – من قبيل التفاؤل – بإلقاء "تحية الصباح" عليها كل يوم!.

**

أذكر كم مرة تكرر اسم "سيد فوزي" في هذه الحكاية..واحصل على جائزة قيمة.."خمسة جنيه"..بس جديدة!!.

 

  

 

  


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

زهور المبدعين (1)

(تعليقات السادة المُبدعين..على أعمال حسام الدين) حسام الدين فكري   مُنذ نحو عام، بدأتُ في نشر عدد من القصص القصيرة والقصائد النثرية، في بعض الصفحات الأدبية المتخصصة على الفيسبوك . وكلما نشرت شيئاً منها، كلما تلقيت طائفة من تعليقات السادة المبدعين الأفاضل (الأدباء والشعراء)، من سكان هذه الصفحات الأدبية..ومنها تعليقات غاية في الروعة والجمال، تفيض إطراءاً وثناءاً بلغة أدبية راقية، لم أستطع مقاومة فكرة نسخها والاحتفاظ بها . وأود هنا أن أشرككم معي في تنسم عبير هذه التعليقات ذات الأريج العطر . وسوف تلاحظون أن بعض الأسماء تتكرر أحياناً، وذلك نظراً لتكرار نشر العديد من أعمالي من خلال الصفحات الأدبية ذاتها . والآن إلى هذه المجموعة الأولى من (زهور) السادة المبدعين..وسوف أوالي نشر كل مايستجد منها بإذن الله .        تعليقات على قصيدة (شجرة الإنسان) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ     الله الله روعة واكثر يسلم همسك ونبض قلبك ودام حرفك Nagwa Mohamed في (مجلة همس الروح)     بوركت وبورك قلمك ال...

ليل مُعبقّ برائحة الفناء

قصة : حسام الدين فكري قريتنا لا تشبه غيرها من القرى، فالليل فيها له أنياب تسيل منها الحياة، والتوجّس يأكل عظام كل من يسير ليلاً بعد أذان العشاء..خمس ليالٍ متوالية شق فيها قلب السكون صياح النادبات، كل الذاهبين اختطفهم الموت في قلب الليل، لاشيء يربط بينهم إلا التجول تحت أستار الظلام، الموت يترصد في كل زوايا القرية، لم يفلت منه أحد، حتى الذين ساروا معاً في مجموعات، فوجئوا بسقوط أحدهم صريعا من بينهم..يأتي طبيب القرية مهرولاً ثم يجده قد فارق الحياة، فيشخص حالته "هبوط حاد مفاجئ في الدورة الدموية"، نسأله عن السبب فيقول إنها إرادة الله "عمره كده"، ونعم بالله، لكننا لم نفهم شيئاً..فمنهم من كان شابا يافعا في الثلاثين من عمره بالكاد، كانت الصحة تنضح على وجهه وجسده الرياضي، لا يدخن ولايشرب الخمر، فما الذي يجعل شابا كهذا يسقط فجاة بلا حراك؟..يحاول الطبيب أن يبل ريقنا بشيء، فيقول لنا :"ربما تعرّض لإنفعال مفاجيء"، نعود لنسأل صديقه الوحيد الذي كان يرافقه، فيؤكد لنا أنهما كانا يتسامران ويضحكان، لم يغضبه شيء ولم ينفعل لشيء، كانت كلماته الأخيرة مفعمة بحب الحياة، تحدث عن خط...

"ابن المحظوظة" الذي خطف تأشيرة الخروج !

حسام الدين فكري... استمتعت للغاية – مثل ملايين المصريين – بمشاهدة هذا الفيلم العربي القديم الذي عرضته علينا قنوات الأخبار بعنوان "اختطاف الطائرة المصرية"..رغم أن لدي ملاحظات عديدة على السيناريو والديكور والإضاءة وزوايا التصوير!..والأهم من هذا كله أن "الحبكة الدرامية" لم تدخل دماغي أساساً..ولا أظنها دخلت دماغ أي عيل في مصر..فلو أردت أن تلعبها صح مع جيل اللابتوب والآي باد، كان عليك أن تستعين بفريق متخصص في "الأنيميشن"..إنما أن تقدم فيلم جرافيك بهذه الطريقة الرديئة جداً..فبصراحة بقى : مايصحش كده !! . ويقولك إيه : أصل الخاطف كان عايز يقابل طليقته في قبرص !..يعني من قبيل اللمسة العاطفية..وواحد آخر يقول : ده مخطط لضرب السياحة في مصر !..يعني من قبيل النظرة المؤامرتية !..وواحد ثالث قال : من الآخر هو كان هدفه "يهج" من مصر !..وهذا هو الوحيد الذي أصاب كبد الحقيقة ! . وبالطبع لم أندهش ثانية واحدة عندما وجدت مواقع التواصل الإجتماعي تنفجر بآلاف التعليقات التي تغبط ركاب الطائرة على اختطافهم ووصولهم إلى قبرص..يعني النجاة من الحياة في مصر !..ولم أ...