حسام الدين فكري...
(هذا المقال كتبته بعد وفاة أستاذ جيلي..الكاتب الكبير أحمد رجب..ولم يُقدر له أن يُنشر إلا هذه الأيام) .
ذهب أحمد رجب بعد أن أضحكنا على أنفسنا خمسين عاماً .
مات فارس السخرية الراقية، والكلمة المنتقاة، والعبارة الجذلة، والسهام التي لاتطيش ! .
مات الرجل الذي وضع الزهور على قبورنا ونحن أحياء،وجعلنا نستسيغ السخرية من أنفسنا، وننكأ جراحنا بدبوس مدبب، دون أن نجد في ذلك أي غضاضة أو استهجان..فليس أقل من أن نضع الورود على قبره وهو تحت الثرى .
ذهب آخر عنقود العمالقة، بعد أن فقدنا من قبله كل عمالقة الفكر والأدب،
ومن بينهم أقرانه من الساخرين الكبار : بديع خيري، بيرم التونسي، كامل الشناوي،
محمد عفيفي، محمود السعدني، أحمد فؤاد نجم.. وغيرهم .
رحل الذي كنا نتصبح بوجهه كل يوم في جريدة الأخبار، وقد وضع القلم بين إصبعيه كأنه سيجارة !! .
ذهب الذي أضحكنا من قلوبنا وهو يرسم حياتنا بكل تفاصيلها، يترصد معاناتنا فيحولها إلى ابتسامة..يقتفي آلامنا فيستخرج منها جانباً باسماً لانعرفه، كان هو فقط يراه بموهبته الفريدة ! .
رحل الكاتب الرائع الذي كان يعيش السخرية ولايكتفي بكتابتها..حدث مثلاً قبل بضع سنوات من وفاته أن طلبت منه مذيعة شهيرة أن يحل ضيفاً في برنامجها، فاعتذر لها بطريقته الساخرة قائلاً : " لا أريد أن أزيد من معاناة المصريين " !!..وكان يعني إنه صار طاعناً في السن وملأت التجاعيد وجهه، فلا يريد أن يظهر هكذا أمام الجمهور ! .
راح "برناردشو المصري"..كنت دائماً أرى شبهاً كبيراً بينه وبين "جورج برناردشو" الأيرلندي العظيم، الذي كان "ماكينة سخرية" تتحرك في كل مكان !..من أشهر طرائف "شو" أن سيدة جميلة قالت له يوماً: "أريد أن أتزوجك حتى ننجب ابناً..يأخذ مني جمالي ومنك ذكاءك"..فقال لها بتلقائية: "أخشى أن يأخذ مني دمامتي ومنك غبائك" !!..وعندما سئل عن رأيه في ثروات العالم، أمسك بلحيته الكثة وهو يقول :"غزارة في الإنتاج"..ثم مرر أصابعه على صلعته وهو يستطرد :"وسوء في التوزيع" !! .
وهكذا كان "أحمد رجب" من هذه المدرسة الساخرة الرائعة، يتحدث ساخراً، يتحرك ساخراً، يكتب ساخراً..ولاتكاد تجد شيئاً يفعله إلا وتجد سخريته اللاذعة حاضرة طوال الوقت ! .
رحم الله كاتباً أسطورة، كوَّن مع رفيق دربه الفنان "مصطفى حسين" أشهر ثنائي في الصحافة العربية، وتركا لنا شخصيات حية تعيش بيننا : فلاح كفر الهنادوة، كمبورة، الكحيت، عزيز بك الأليت، قاسم السمَّاوي، وعبده مشتاق وغيرها . كان الكاريكاتير الواحد ينقل نبض الشارع المصري إلى المسئولين في الحكومة، أفضل من صفحات الجريدة كلها ! .
رحم الله "زعيم الأدب الفكاهي" الذي كان يضع يده على مشاكل مصر المزمنة ومشاكل بعض الدول العربية أيضاً، مثل : البيروقراطية، الفساد الإداري، الرشوة، والمحسوبية وغيرها..كانت تتحول بروحه المرحة من مشاكل نعاني منها، إلى لقطات نضحك عليها ! .
لقد كان لي عدد من الأساتذة المعاصرين في الكتابة، كنت أراهم قامات سامقة وأتبع خطاهم، ماتوا جميعاً في حياتي : توفيق الحكيم، مصطفى أمين، أنيس منصور، عبد الوهاب مطاوع، محمود السعدني..وأخيراً : أحمد رجب .
ولم ألتق شخصياً بأي من هؤلاء الكبار، وإنما استمتعت سنوات طوال بقراءة أعمالهم، وتزدان مكتبتي بمعظم كتبهم..باستثناء "عبد الوهاب مطاوع" الذي كان زميلي الكبير، عندما كنت أكتب في صحيفة الأهرام العريقة .
أما "أحمد رجب" فكتبه قليلة ولاتصف استمتاعي بها الكلمات، ولأنني "زبون دائم" في كل المكتبات، فقد كنت أتابع صدورها واحداً وراء الآخر، فلايخرج إحداها من المطبعة إلا ويدخل فوراً إلى مكتبتي !..وهي على سبيل الحصر : أي كلام، الحب وسنينه، الأغاني للأرجباني، الفهامة، يوميات حمار، صور مقلوبة، نص كلمة، كلام فارغ، فوزية البرجوازية، ضربة في قلبك، يخرب بيت الحب، توتة توتة، كمبورة في البرلمان، ونهارك سعيد .
ولقد تحول كتاب "الحب وسنينه" إلى مسلسل تليفزيوني، لعب بطولته: أبوبكر عزت وإسعاد يونس..وتحولت شخصياته الكاريكاتورية الشهيرة إلى مسلسل آخر بعنوان "ناس وناس" ، لعب بطولته: أحمد راتب وآخرون..كما لايعرف الكثيرون إنه كتب بعض سيناريوهات الأفلام السينمائية، من أشهرها "صباح الخير يازوجتي العزيزة" ، من بطولة : صلاح ذو الفقار ونيللي .
لقد كان "أحمد رجب" جريئاً في كتاباته، لكنه كان خجولاً في حياته الشخصية ومتواضعاً للغاية، وربما لذلك لم يكتب سيرته الذاتيه أبداً..ولو فعل لكانت- بلاشك - من أكثر الكتب مبيعاً في العالم العربي ! .
رحم الله "أحمد رجب" الفريد..الذي زرع الابتسامة في قلوبنا..ولم يرسمها فقط على وجوهنا ! .
(هذا المقال كتبته بعد وفاة أستاذ جيلي..الكاتب الكبير أحمد رجب..ولم يُقدر له أن يُنشر إلا هذه الأيام) .
ذهب أحمد رجب بعد أن أضحكنا على أنفسنا خمسين عاماً .
مات فارس السخرية الراقية، والكلمة المنتقاة، والعبارة الجذلة، والسهام التي لاتطيش ! .
مات الرجل الذي وضع الزهور على قبورنا ونحن أحياء،وجعلنا نستسيغ السخرية من أنفسنا، وننكأ جراحنا بدبوس مدبب، دون أن نجد في ذلك أي غضاضة أو استهجان..فليس أقل من أن نضع الورود على قبره وهو تحت الثرى .
ذهب آخر عنقود العمالقة، بعد أن فقدنا من قبله كل عمالقة الفكر والأدب،
ومن بينهم أقرانه من الساخرين الكبار : بديع خيري، بيرم التونسي، كامل الشناوي،
محمد عفيفي، محمود السعدني، أحمد فؤاد نجم.. وغيرهم .
رحل الذي كنا نتصبح بوجهه كل يوم في جريدة الأخبار، وقد وضع القلم بين إصبعيه كأنه سيجارة !! .
ذهب الذي أضحكنا من قلوبنا وهو يرسم حياتنا بكل تفاصيلها، يترصد معاناتنا فيحولها إلى ابتسامة..يقتفي آلامنا فيستخرج منها جانباً باسماً لانعرفه، كان هو فقط يراه بموهبته الفريدة ! .
رحل الكاتب الرائع الذي كان يعيش السخرية ولايكتفي بكتابتها..حدث مثلاً قبل بضع سنوات من وفاته أن طلبت منه مذيعة شهيرة أن يحل ضيفاً في برنامجها، فاعتذر لها بطريقته الساخرة قائلاً : " لا أريد أن أزيد من معاناة المصريين " !!..وكان يعني إنه صار طاعناً في السن وملأت التجاعيد وجهه، فلا يريد أن يظهر هكذا أمام الجمهور ! .
راح "برناردشو المصري"..كنت دائماً أرى شبهاً كبيراً بينه وبين "جورج برناردشو" الأيرلندي العظيم، الذي كان "ماكينة سخرية" تتحرك في كل مكان !..من أشهر طرائف "شو" أن سيدة جميلة قالت له يوماً: "أريد أن أتزوجك حتى ننجب ابناً..يأخذ مني جمالي ومنك ذكاءك"..فقال لها بتلقائية: "أخشى أن يأخذ مني دمامتي ومنك غبائك" !!..وعندما سئل عن رأيه في ثروات العالم، أمسك بلحيته الكثة وهو يقول :"غزارة في الإنتاج"..ثم مرر أصابعه على صلعته وهو يستطرد :"وسوء في التوزيع" !! .
وهكذا كان "أحمد رجب" من هذه المدرسة الساخرة الرائعة، يتحدث ساخراً، يتحرك ساخراً، يكتب ساخراً..ولاتكاد تجد شيئاً يفعله إلا وتجد سخريته اللاذعة حاضرة طوال الوقت ! .
رحم الله كاتباً أسطورة، كوَّن مع رفيق دربه الفنان "مصطفى حسين" أشهر ثنائي في الصحافة العربية، وتركا لنا شخصيات حية تعيش بيننا : فلاح كفر الهنادوة، كمبورة، الكحيت، عزيز بك الأليت، قاسم السمَّاوي، وعبده مشتاق وغيرها . كان الكاريكاتير الواحد ينقل نبض الشارع المصري إلى المسئولين في الحكومة، أفضل من صفحات الجريدة كلها ! .
رحم الله "زعيم الأدب الفكاهي" الذي كان يضع يده على مشاكل مصر المزمنة ومشاكل بعض الدول العربية أيضاً، مثل : البيروقراطية، الفساد الإداري، الرشوة، والمحسوبية وغيرها..كانت تتحول بروحه المرحة من مشاكل نعاني منها، إلى لقطات نضحك عليها ! .
لقد كان لي عدد من الأساتذة المعاصرين في الكتابة، كنت أراهم قامات سامقة وأتبع خطاهم، ماتوا جميعاً في حياتي : توفيق الحكيم، مصطفى أمين، أنيس منصور، عبد الوهاب مطاوع، محمود السعدني..وأخيراً : أحمد رجب .
ولم ألتق شخصياً بأي من هؤلاء الكبار، وإنما استمتعت سنوات طوال بقراءة أعمالهم، وتزدان مكتبتي بمعظم كتبهم..باستثناء "عبد الوهاب مطاوع" الذي كان زميلي الكبير، عندما كنت أكتب في صحيفة الأهرام العريقة .
أما "أحمد رجب" فكتبه قليلة ولاتصف استمتاعي بها الكلمات، ولأنني "زبون دائم" في كل المكتبات، فقد كنت أتابع صدورها واحداً وراء الآخر، فلايخرج إحداها من المطبعة إلا ويدخل فوراً إلى مكتبتي !..وهي على سبيل الحصر : أي كلام، الحب وسنينه، الأغاني للأرجباني، الفهامة، يوميات حمار، صور مقلوبة، نص كلمة، كلام فارغ، فوزية البرجوازية، ضربة في قلبك، يخرب بيت الحب، توتة توتة، كمبورة في البرلمان، ونهارك سعيد .
ولقد تحول كتاب "الحب وسنينه" إلى مسلسل تليفزيوني، لعب بطولته: أبوبكر عزت وإسعاد يونس..وتحولت شخصياته الكاريكاتورية الشهيرة إلى مسلسل آخر بعنوان "ناس وناس" ، لعب بطولته: أحمد راتب وآخرون..كما لايعرف الكثيرون إنه كتب بعض سيناريوهات الأفلام السينمائية، من أشهرها "صباح الخير يازوجتي العزيزة" ، من بطولة : صلاح ذو الفقار ونيللي .
لقد كان "أحمد رجب" جريئاً في كتاباته، لكنه كان خجولاً في حياته الشخصية ومتواضعاً للغاية، وربما لذلك لم يكتب سيرته الذاتيه أبداً..ولو فعل لكانت- بلاشك - من أكثر الكتب مبيعاً في العالم العربي ! .
رحم الله "أحمد رجب" الفريد..الذي زرع الابتسامة في قلوبنا..ولم يرسمها فقط على وجوهنا ! .
تعليقات
إرسال تعليق