التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مرايات المقاهي !



حسام الدين فكري...
وجوه الناس على المقاهي، مرايات تبوح بكل شيء !..ولست مندهشاً أن "نجيب محفوظ" استوحى كل شخوص رواياته من المقاهي..وكذلك فعل مئات الكتاب حول العالم..إنما المقاهي المصرية..حاجة تانية خالص ! .
المقاهي عندنا عالم كبير يجمع كل صنوف البشر..ماهي مصر أم الدنيا..إنت ناسي وللا إيه !..يعني إحنا عندنا كل أنواع الناس في العالم..من أول الكويس أوي..وحتى السيء أوي..وبينهما بقى ملايين الدرجات النسبية..وكله موجود..الطيبة موجودة..والنصب موجود..وكلهم تراهم على المقاهي..بجميع أنواعها برضه..من أول المقاهي الشعبية..مروراً بالكافيتريات..وصولاً إلى الموضة الجديدة : الكافيهات !..والكافيه هو نفسه الكافيتريا..بس على نضيف بقى..وفيه "مينيمم تشارج " !! .
ثم كل الأعمار تجدها..من أول العيل اللي يادوب شنبه طالع..وحتى الكهل الذي تحول شعره كله إلى ندف من الثلج..أو سقط سهواً فلم تتبق منه شعره واحدة !..وبينهما شباب الجامعة..والمتخرجين فقط..والمتخرجين الباحثين عن عمل..والموظفين الجدد..والموظفين من زمان ! .
وأول شيء تقرأه على جميع الوجوه بالبنط العريض أن الحكومة غير موجودة في البلد تماماً..فلو كانت موجودة فعلاً..فلماذا كل هؤلاء يجدون وقتاً للجلوس على المقاهي ؟!! .
وبعدها على طول تلاحظ إتفاقاً عاماً على البوح..فالكل يتكلم في كل شيء..على الطاولة يتكلمون..على الشطرنج يتكلمون..مع ثلاثة سحلب يتكلمون..وحتى بدون أي طلبات يتكلمون !..كأنها ماسورة كلام وانفجرت في المقهى..ربما لأن الكلام في المقاهي متاح للجميع..بينما في الجامعة لا حرية..في العمل لا حرية..في البيوت لا حرية..إنما أنت في المقهى تتحدث من قلبك..والأهم أن الذين معك يستمعون لك..وهو ما لاتجده غالباً في مكان آخر !! .
ولا تحاول أن تقرأ ظاهر الوجوه التي تجدها..وإنما اجلس في ركن قصي وراقب..وسوف تجد عجباً..فالذي تراه يملأ الكون بضحكاته..سوف تلمحه ينفرد بنفسه في لحظة، فيتحول إلى وجه آخر يعلوه الصدأ..قد زادت الخطوط فوق جبهته فقفز عمره سنوات وسنوات !..فما أن يقترب منه أصدقاؤه حتى يعود إلى ارتداء الوجه الأول، حتى لا يكون ثقيل الظل !..وأما الذي جلس هادئاً يرد باقتضاب على زملائه، فليس لأنه لا يحسن الكلام..لكنه لا يريد..فيظل يتابع الحوار بينهم دون أن يتدخل..وما هي إلا لحظة واحدة تستفز قدراته..فينطلق صاخباً بأعلى صوته كأنه مدفع رشاش..فلا يستطيع كل رواد المقهى بعد ذلك..أن يجعلوه يسكت !! .
إنها دنيا متكاملة تتجسد أمامك..فلا يزيدك تأملها إلا إدراكاً بأنك..لم تكن تعرف في الحياة إلا القليل !! .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

زهور المبدعين (1)

(تعليقات السادة المُبدعين..على أعمال حسام الدين) حسام الدين فكري   مُنذ نحو عام، بدأتُ في نشر عدد من القصص القصيرة والقصائد النثرية، في بعض الصفحات الأدبية المتخصصة على الفيسبوك . وكلما نشرت شيئاً منها، كلما تلقيت طائفة من تعليقات السادة المبدعين الأفاضل (الأدباء والشعراء)، من سكان هذه الصفحات الأدبية..ومنها تعليقات غاية في الروعة والجمال، تفيض إطراءاً وثناءاً بلغة أدبية راقية، لم أستطع مقاومة فكرة نسخها والاحتفاظ بها . وأود هنا أن أشرككم معي في تنسم عبير هذه التعليقات ذات الأريج العطر . وسوف تلاحظون أن بعض الأسماء تتكرر أحياناً، وذلك نظراً لتكرار نشر العديد من أعمالي من خلال الصفحات الأدبية ذاتها . والآن إلى هذه المجموعة الأولى من (زهور) السادة المبدعين..وسوف أوالي نشر كل مايستجد منها بإذن الله .        تعليقات على قصيدة (شجرة الإنسان) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ     الله الله روعة واكثر يسلم همسك ونبض قلبك ودام حرفك Nagwa Mohamed في (مجلة همس الروح)     بوركت وبورك قلمك ال...

"ابن المحظوظة" الذي خطف تأشيرة الخروج !

حسام الدين فكري... استمتعت للغاية – مثل ملايين المصريين – بمشاهدة هذا الفيلم العربي القديم الذي عرضته علينا قنوات الأخبار بعنوان "اختطاف الطائرة المصرية"..رغم أن لدي ملاحظات عديدة على السيناريو والديكور والإضاءة وزوايا التصوير!..والأهم من هذا كله أن "الحبكة الدرامية" لم تدخل دماغي أساساً..ولا أظنها دخلت دماغ أي عيل في مصر..فلو أردت أن تلعبها صح مع جيل اللابتوب والآي باد، كان عليك أن تستعين بفريق متخصص في "الأنيميشن"..إنما أن تقدم فيلم جرافيك بهذه الطريقة الرديئة جداً..فبصراحة بقى : مايصحش كده !! . ويقولك إيه : أصل الخاطف كان عايز يقابل طليقته في قبرص !..يعني من قبيل اللمسة العاطفية..وواحد آخر يقول : ده مخطط لضرب السياحة في مصر !..يعني من قبيل النظرة المؤامرتية !..وواحد ثالث قال : من الآخر هو كان هدفه "يهج" من مصر !..وهذا هو الوحيد الذي أصاب كبد الحقيقة ! . وبالطبع لم أندهش ثانية واحدة عندما وجدت مواقع التواصل الإجتماعي تنفجر بآلاف التعليقات التي تغبط ركاب الطائرة على اختطافهم ووصولهم إلى قبرص..يعني النجاة من الحياة في مصر !..ولم أ...

ليل مُعبقّ برائحة الفناء

قصة : حسام الدين فكري قريتنا لا تشبه غيرها من القرى، فالليل فيها له أنياب تسيل منها الحياة، والتوجّس يأكل عظام كل من يسير ليلاً بعد أذان العشاء..خمس ليالٍ متوالية شق فيها قلب السكون صياح النادبات، كل الذاهبين اختطفهم الموت في قلب الليل، لاشيء يربط بينهم إلا التجول تحت أستار الظلام، الموت يترصد في كل زوايا القرية، لم يفلت منه أحد، حتى الذين ساروا معاً في مجموعات، فوجئوا بسقوط أحدهم صريعا من بينهم..يأتي طبيب القرية مهرولاً ثم يجده قد فارق الحياة، فيشخص حالته "هبوط حاد مفاجئ في الدورة الدموية"، نسأله عن السبب فيقول إنها إرادة الله "عمره كده"، ونعم بالله، لكننا لم نفهم شيئاً..فمنهم من كان شابا يافعا في الثلاثين من عمره بالكاد، كانت الصحة تنضح على وجهه وجسده الرياضي، لا يدخن ولايشرب الخمر، فما الذي يجعل شابا كهذا يسقط فجاة بلا حراك؟..يحاول الطبيب أن يبل ريقنا بشيء، فيقول لنا :"ربما تعرّض لإنفعال مفاجيء"، نعود لنسأل صديقه الوحيد الذي كان يرافقه، فيؤكد لنا أنهما كانا يتسامران ويضحكان، لم يغضبه شيء ولم ينفعل لشيء، كانت كلماته الأخيرة مفعمة بحب الحياة، تحدث عن خط...