التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أساطير فنية: أسمهان..الأميرة الغارقة !




حسام الدين فكري...
في عمرها القصير..استطاعت "آمال الأطرش" المعروفة فنياً بإسم "أسمهان" أن تترك بصمتها المميزة..التي لم تقترب منها مطربة عربية واحدة حتى الآن ! .
كانت الإبنة الوحيدة لوالدها فهد الأطرش وهو درزي من جبل الدروز في سوريا، وكان مدير ناحية في قضاء ديمرجي في تركيا، ووالدتها علياء المنذر وهي درزية لبنانية من بلدة برمانا في الشوف، ولديها شقيقين هما : فؤاد الذي قاست منه الأمرين في حياتها، وفريد الأطرش المطرب والموسيقار المعروف والذي كانت طوال الوقت على وفاق تام معه..فقد كان هو الذي أخذ بيدها إلى عالم الفن وجعلها نجمة غناء لامعة إلى جانب شهيرات ذلك الوقت أم كلثوم، نجاة علي، ليلى مراد وغيرهن. وعائلتها هي عائلة درزية كريمة كان منها رجال لعبوا دوراً بارزاً في الحياة السياسية في سوريا والمنطقة، أبرزهم سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية ضد الإحتلال الفرنسي.
ولدت "آمال" في 22 نوفمبر 1912م على متن باخرة كانت تقل العائلة من تركيا، بعد خلاف وقع بين الوالد والسلطات التركية. وإستقرت الاسرة في سوريا وتحديداً في جبل الدروز بلد آل الاطرش، إلى أن توفي فهد الأطرش عام 1924. وأضطرت الأميرة علياء إلى مغادرة عرينها في سوريا على إثر نشوب الثورة الدرزية، وانطلاق الثورة السورية الكبرى فتوجهت بأبنائها من سوريا إلى مصر.
وفي القاهرة أقامت العائلة في حي الفجالة وهي تعاني من البؤس والفاقة، الأمر الذي دفع بالأم إلى العمل في الأديرة والغناء في حفلات الأفراح الخاصة لإعالة أسرتها الصغيرة.
ظهرت مواهب آمال الغنائية والفنية باكراً، فقد كانت تغني في البيت والمدرسة مقلدة أم كلثوم ومرددة أغاني عبد الوهاب وشقيقها فريد. وفي أحد الأيام استقبل فريد في المنزل (وكان وقتها في بدايه حياته الفنية) الملحن داود حسني أحد كبار الموسيقيين في مصر، فسمع آمال تغني في غرفتها فطلب إحضارها وسألها أن تغني من جديد، فغنت أمامه فأعجب بصوتها، وأطلق عليها اسمها الفني الذي لازمها طوال حياتها : أسمهان.
وبدأت منذ عام 1931 تشارك أخاها فريد في الغناء في صالة ماري منصور في شارع عماد الدين، وراح نجمها يسطع في سماء الأغنية العربية ويغزو القلوب، بجمالها الراقي وصوتها الذي لا يتكرر أبداً. وكانت بعد في السادسة عشرة، عندما قال عنها عبد الوهاب : إن أسمهان فتاة صغيرة لكن صوتها صوت امرأة ناضجة.
وفي سنة 1933 تزوجت من الأمير حسن الأطرش، وإنتقلت معه إلى جبل الدروز في سوريا لتمضي معه كأميرة للجبل مدة ست سنوات، رزقت خلالها بإبنتها الوحيدة كاميليا، لكن حياتها في الجبل انتهت بخلاف مع زوجها، فعادت من سوريا إلى مصر. وقد عاد إليها الحنين إلى عالم الفن لتمارس الغناء وتقتحم ميدان التمثيل السينمائي.
في عام 1941 مثلت أول أفلامها (إنتصار الشباب) إلى جانب شقيقها فريد، وفي خلال تصويره تعرفت إلى المخرج أحمد بدرخان ثم تزوجته، لكن زواجهما إنهار سريعاً وإنتهى بالطلاق.. وفي سنة 1944 مثلت فيلمها الثاني والأخير (غرام وإنتقام) إلى جانب يوسف وهبي وأنور وجدي ومحمود المليجي وبشارة واكيم وسجلت فيه مجموعة من أحلى أغانيها، وشهدت نهاية هذا الفيلم نهاية حياتها. وقد سبق لها أن شاركت بصوتها في بعض الأفلام كفيلم (يوم سعيد)، إذ شاركت محمد عبدالوهاب الغناء في أوبريت (قيس وليلى)، كما سجلت أغنية (محلاها عيشة الفلاح) في الفيلم نفسه، وهي من ألحان عبدالوهاب الذي سجلها بصوته فيما بعد، كذلك سجلت أغنية (ليت للبراق عيناً) في فيلم (ليلى بنت الصحراء).
ومن أغانيها التي حققت شهرة كبيرة : ليالي الأنس في فيينا..إمتى هتعرف..أهوى.. دخلت مرة في جنينة..وهديتك قلبي .
وفي يوم 14 يوليو 1944 ذهبت إلى رأس البر ترافقها صديقة لها تدعى ماري قلادة، وفي الطريق فقد السائق السيطرة على السيارة فإنحرفت وسقطت في الترعة (ترعه الساحل الموجوده حاليا في مدينه طلخا)، حيث لقت مع صديقتها حتفهما أما السائق فلم يصب بأذى وبعد الحادثة إختفى، وبعد إختفائه ظل السؤال عمن وراء موتها دون جواب كما ظلت أصابع الإتهام موجهة نحو الإستخبارات البريطانية والملك فاروق .
رحلت "أسمهان" في الماء الذي ولدت فيه..وتركت تراثاً فنياً راقياً في عمر قصير..لن تصل إليه أبداً مطربات أخريات، تغني الواحدة منهن منذ أكثر من ثلاثين عاماً..إنه فارق الموهبة الذي لايحسب بالسنين !! .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

زهور المبدعين (1)

(تعليقات السادة المُبدعين..على أعمال حسام الدين) حسام الدين فكري   مُنذ نحو عام، بدأتُ في نشر عدد من القصص القصيرة والقصائد النثرية، في بعض الصفحات الأدبية المتخصصة على الفيسبوك . وكلما نشرت شيئاً منها، كلما تلقيت طائفة من تعليقات السادة المبدعين الأفاضل (الأدباء والشعراء)، من سكان هذه الصفحات الأدبية..ومنها تعليقات غاية في الروعة والجمال، تفيض إطراءاً وثناءاً بلغة أدبية راقية، لم أستطع مقاومة فكرة نسخها والاحتفاظ بها . وأود هنا أن أشرككم معي في تنسم عبير هذه التعليقات ذات الأريج العطر . وسوف تلاحظون أن بعض الأسماء تتكرر أحياناً، وذلك نظراً لتكرار نشر العديد من أعمالي من خلال الصفحات الأدبية ذاتها . والآن إلى هذه المجموعة الأولى من (زهور) السادة المبدعين..وسوف أوالي نشر كل مايستجد منها بإذن الله .        تعليقات على قصيدة (شجرة الإنسان) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ     الله الله روعة واكثر يسلم همسك ونبض قلبك ودام حرفك Nagwa Mohamed في (مجلة همس الروح)     بوركت وبورك قلمك ال...

"ابن المحظوظة" الذي خطف تأشيرة الخروج !

حسام الدين فكري... استمتعت للغاية – مثل ملايين المصريين – بمشاهدة هذا الفيلم العربي القديم الذي عرضته علينا قنوات الأخبار بعنوان "اختطاف الطائرة المصرية"..رغم أن لدي ملاحظات عديدة على السيناريو والديكور والإضاءة وزوايا التصوير!..والأهم من هذا كله أن "الحبكة الدرامية" لم تدخل دماغي أساساً..ولا أظنها دخلت دماغ أي عيل في مصر..فلو أردت أن تلعبها صح مع جيل اللابتوب والآي باد، كان عليك أن تستعين بفريق متخصص في "الأنيميشن"..إنما أن تقدم فيلم جرافيك بهذه الطريقة الرديئة جداً..فبصراحة بقى : مايصحش كده !! . ويقولك إيه : أصل الخاطف كان عايز يقابل طليقته في قبرص !..يعني من قبيل اللمسة العاطفية..وواحد آخر يقول : ده مخطط لضرب السياحة في مصر !..يعني من قبيل النظرة المؤامرتية !..وواحد ثالث قال : من الآخر هو كان هدفه "يهج" من مصر !..وهذا هو الوحيد الذي أصاب كبد الحقيقة ! . وبالطبع لم أندهش ثانية واحدة عندما وجدت مواقع التواصل الإجتماعي تنفجر بآلاف التعليقات التي تغبط ركاب الطائرة على اختطافهم ووصولهم إلى قبرص..يعني النجاة من الحياة في مصر !..ولم أ...

ليل مُعبقّ برائحة الفناء

قصة : حسام الدين فكري قريتنا لا تشبه غيرها من القرى، فالليل فيها له أنياب تسيل منها الحياة، والتوجّس يأكل عظام كل من يسير ليلاً بعد أذان العشاء..خمس ليالٍ متوالية شق فيها قلب السكون صياح النادبات، كل الذاهبين اختطفهم الموت في قلب الليل، لاشيء يربط بينهم إلا التجول تحت أستار الظلام، الموت يترصد في كل زوايا القرية، لم يفلت منه أحد، حتى الذين ساروا معاً في مجموعات، فوجئوا بسقوط أحدهم صريعا من بينهم..يأتي طبيب القرية مهرولاً ثم يجده قد فارق الحياة، فيشخص حالته "هبوط حاد مفاجئ في الدورة الدموية"، نسأله عن السبب فيقول إنها إرادة الله "عمره كده"، ونعم بالله، لكننا لم نفهم شيئاً..فمنهم من كان شابا يافعا في الثلاثين من عمره بالكاد، كانت الصحة تنضح على وجهه وجسده الرياضي، لا يدخن ولايشرب الخمر، فما الذي يجعل شابا كهذا يسقط فجاة بلا حراك؟..يحاول الطبيب أن يبل ريقنا بشيء، فيقول لنا :"ربما تعرّض لإنفعال مفاجيء"، نعود لنسأل صديقه الوحيد الذي كان يرافقه، فيؤكد لنا أنهما كانا يتسامران ويضحكان، لم يغضبه شيء ولم ينفعل لشيء، كانت كلماته الأخيرة مفعمة بحب الحياة، تحدث عن خط...