حسام الدين فكري...
قصة نجاح هارلند دافيد ساندرز، مؤسس امبراطورية مطاعم كنتاكي الشهيرة للدجاج المقلي، قصة تستحق أن تُروى، حتى تتعلم منها الأجيال الجديدة معنى الكفاح الذي يكلل في النهاية بالنجاح .
ولد الكولونيل ساندرز في 9 سبتمبر( ايلول ) من العام 1890 , توفي والده وهو في السادسة من عمره, فاضطرت والدته للعمل, وتحمل هو المسؤولية باكراً, حيث كان عليه الاعتناء بأخيه البالغ من العمر 3 سنوات وأخته الطفلة. وهذه الظروف أجبرته على تعلم فن الطبخ حيث إنه كان يحضر طعام أخوته، وما أن بلغ السابعة من عمره حتى أصبح طباخاً ماهراً خبيراً.
عمل في مزرعة عندما أصبح في العاشرة مقابل دولارين في الشهر. وتزوجت أمه مرة ثانية عندما كان في الثانية عشرة فترك المنزل ليعمل في مزرعة في غرينوود في ولاية إنديانا, ثم خاض أعمالا عدة في السنوات اللاحقة وخدم في الجندية في كوبا لمدة 6 أشهر.
وعمل في فرقة الإطفاء للسكك الحديدية , ودرس خلال هذا العمل القانون من خلال المراسلة. ثم تنقل ما بين العمل في التأمين وكسائق مركب في نهر أوهايو وفي بيع الإطارات, ومسئول في محطة لخدمات السيارات.
وحتى وهو في أتعس أيام حياته, وعندما كان يقبض 16 سنتا في الساعة ويفرغ سيارات الفحم, لم يشك الكولونيل ساندرز لحظة في أنه سيكون له شأن كبير يوماً ما, وأن النجاح قريب.
سنة بعد سنة, عمل بكد وجهد وتعب..لكن ما حوله لم يكن يشجع على الإطلاق ، فقرر تطوير نفسه بشكل دائم, وحصل على دكتوراة في القانون بالمراسلة من جامعة ساذرن, وهو الذي ترك المدرسة منذ وفاة والده وعمره ست سنوات، وقد ساعدته هذه الشهادة على ممارسة المحاماة في محاكم ليتل روك في اركنساس..لكنه لم يكسب مالاً كثيراً.
وخلال عمله الدؤوب, طور الكولونيل ساندرز مهاراته في فن الطبخ, وهو الفن الذي أحبه من كل قلبه منذ أن كان طفلاً. وخلال السنوات التي مضت لم يفكر أبداً في أن يجعل هذه الهواية مهنة يكسب منها مالا إلى أن راودته الفكرة جدياً العام 1929 وكان عمره آنذاك 39 عاماً, عندما افتتح محطة لخدمات السيارات في مدينة كوربن في ولاية كنتاكي، ووجد أحد الباعة المتجولين يقول أنه لا يوجد مطعم جيد ليأكل فيه المرء في هذه المدينة .. فهز الكولونيل رأسه موافقاً.
وتألقت الفكرة في رأس ساندرز, ولاحظ أن هذه المشكلة تشكل فرصة حقيقية. ولم يكن أحد يعلم, وأولهم الكولونيل, أن تعليق البائع المتجول سيكون الشرارة والبذرة الرئيسية لولادة سلسلة مطاعم أحدثت ثورة في صناعة الوجبات السريعة.
يقول ساندرز: "لقد فكرت ملياً, وبالفعل, فإن أفضل ما فعلته وقمت به من دون انقطاع طوال السنوات الماضية هو الطبخ, وكلي ثقة بأنني لو بدأت ببيع ما أطبخ فإن طعامي لن يكون بالتأكيد أسوأ مما يصنعه أصحاب المطاعم الموجودون في المدينة" . بناء على هذه الفكرة حول ساندرز غرفة صغيرة, كانت مخزناً خلف محطة الخدمة,إلى مطعم صغير يبيع من خلاله الوجبات إلى المارة.
كان مطعمه الصغير متخصصاً في الدجاج المقلي والخضروات الطازجة وبعض البسكويت.
واكتسب المطعم الصغير شهرة لا بأس بها في المنطقة, و ازداد الطلب عليه, فما كان منه إلا أن أغلق محطة الوقود وحولها إلى مطعم أسماه " كوفي ساندرز".
وفي أواخر العام 1930 توسع ساندرز وأصبحت سعة مطعمه الصغير 142 شخصا, لكنه احتفظ بالطابع المنزلي لطعامه.
وبسبب حبه الدائم لتطوير نفسه والتعلم المستمر, انخرط في دورة " فن إدارة المطاعم والفنادق" لمدة 8 أسابيع في جامعة كورنيل حتى يصبح مديراُ أفضل.
وفي العام 1939, وكان عمر ساندرز 49 عاماً, اكتشف الطريقة المثلى لقلي الدجاج, وما ساعده في اختراعه الجديد اكتشاف مهم في ذلك الوقت هو "حلة الضغط".. ففي أقل من 10 دقائق تعطي طريقة الطهي بالبخار دجاجاً لذيذاً وناضجاً من دون أن يفقد طعمه أو رائحته ومن دون زيت. ولكن على الرغم من هذا الاكتشاف كان ساندرز دائم الابتكار, كان يبحث عن الطريقة الأفضل للدجاج المقلي. وفي كل موسم كان يجرب قلي الدجاج بطريقة مختلفة إلى أن وجد خلطة من الأعشاب والتوابل اعتبرها الأفضل.
تحسن العمل بشكل ملحوظ. وتم منحه في العام 1949 رتبة كولونيل لانجازاته لولاية كنتاكي من قبل حاكم الولاية.
وشيئاً فشيئاُ صار يتعاون مع أصحاب المطاعم الأخرى على إمدادهم بخلطته السرية مقابل مبلغ يتفقون عليه، هذه الخلطة, التي مازالت سرية حتى الآن. ولا يعرفها سوى عدد من الأشخاص لايتعدى عدد أصابع اليد, وكل واحد منهم على عهد يلزمه بالحفاظ على سر الخلطة وعدم البوح بمكوناتها أبداً .
وعندما كان الكولونيل في السبعين من عمره, بلغ عدد مطاعم " كنتاكي فرايد تشيكن " 200 مطعماً في الولايات المتحدة الأميركية وكندا.
وتضاعفت إلى 600 مطعماً عام 1963, وكان أكبر من أن يتحمله الكولونيل مع زوجته و 167 عاملاً كانوا يعملون في مبنى مجاور خلف منزله. لذا, قرر أن يبيع امتياز مطاعم كنتاكي إلى جون براون جونيور, وإلى المليونير جاك ماسي بمليون دولار ، مقابل الاستشارات والدعاية ومقعد له في مجلس إدارة الشركة.
وتوفي الكولونيل ساندرز العام 1980, ودفن في لويزفيل. وفي العام 1982 أصبحت مطاعم كنتاكي جزءا من شركة رينولدز. وفي العام 1986 أصبحت جزءاً من شركة بيبسي كولا مقابل 840 مليون دولار. وغيرت الشركة الشعار, وحولته من "كنتاكي فرايد تشيكن" إلى شعار KFC حتى لا تعطي انطباعاً بأنها تبيع الدجاج المقلي فقط, بعد دخول أصناف أخرى كثيرة على قائمة مطاعم كنتاكي, وفي العام 1995 بلغ عدد المطاعم 9000 مطعماً , وكان المطعم الذي يحمل هذا الرقم في شنغهاي.
لقد كان الكولونيل هارلاند ساندرز بحق، مثالاً رائعاً يحتذي في العزيمة والتصميم والإرادة القوية .
تعليقات
إرسال تعليق