حسام الدين فكري...
أكاد
أقسم لك بإنها موجودة..فثقتي كاملة في أن الله تعالى لم يخلق شخصاً واحداً على
الأرض، بدون موهبة واحدة على الأقل..ولكن الفارق الأساسي بينك وبين
الموهوبين..أنهم اكتشفوا مواهبهم وانطلقوا..بينما أنت مازلت تبحث عنها ! .
عموماً
لاتقلق !..فسوف أساعدك..ولن تنتهي من قراءة هذه السطور..إلا بعد أن تعثر على
موهبتك المنشودة ! .
وبدايةً
لا أريد أن أصدع رأسك بالتعريفات الكثيرة للموهبة..وإنما يمكن أن نكتفي بتعريفها
على إنها : " ُقدرة استثنائية لا توجد لدى كل البشر"..يعني ليس كل البشر
لديهم القدرة مثلاً على الكتابة الأدبية..ولا الرسم..ولا التمثيل..ولا الغناء..ولا
التلحين..وغيرها من المواهب التي تميز شخصاً ما عن بقية الناس .
وربما
تكون الموهبة التي تميزك أنت قابعة في مكانٍ ما ..على عمقٍ سحيق داخل عقلك أو
قلبك..لذلك لن تراها بالعين المجردة..وإنما عليك أن تغوص لمسافات طويلة حتى
تجدها..ولكن مرة أخرى : لا تقلق..فسوف نسحبها معاً من أعمق الأعماق..حتى نضعها على
السطح أمام أعين الجميع ! .
ومن
أجل ذلك نحتاج إلى ثلاث خطوات : التجربة..ثم الجرأة..ثم تهيئة المناخ المناسب..والحق
أن الخطوتين الأولى والثانية تتعلقان بك شخصياً..أما الثالثة فتتداخل فيها عوامل
كثيرة جداً..ليست كلها بيدك وحدك..وإن كنت أنت تلعب فيها دوراً مهماً للغاية ! .
والآن
دعنا نتحرك قُدُماً في اتجاه اكتشاف موهبتك المختفية..هانحن نقف على الخطوة الأولى
: التجربة..وهنا أدعوك لأن تتأمل هذه الكلمة جيداً..انظر لها من جميع
الزوايا وسجل انطباعك الفوري..هل تشعر أمامها بشيء من الراحة والحيوية..أم إنها
تجعلك تشعر ببعض القلق والخوف..كُن في قمة الصراحة والوضوح مع نفسك..فهذا الانطباع
سوف تنبني عليه أشياء كثيرة..لأن شعورك بالراحة سوف يوفر أساساً قوياً للبناء..أما
شعورك بالخوف فسوف يتطلب تنحية
هذا
الشعور أولاً..قبل الخوض في أي شيء ! .
ولنفترض
إنك من الذين يخشون التجارب عموماً.. فلابد إن هذا يعود إلى تجارب سابقة لم تكلل
بالنجاح..فالإنسان كائن مُجرب بطبعه..ولم يأت اكتشاف الإنسان القديم للنار مثلاً
إلا بالتجربة..ولم يعرف الزراعة إلا بالتجربة..فعليك أن تدرك أن التجربة هي أساس
كل شيء..وليس معنى أن تخفق في بعض التجارب أن تكف عن التجربة تماماً..فقد اخترع
"أديسون" العبقري المصباح الكهربائي بعد ألف تجربة !..ولو لم يتحرك
"كولمبوس" بدافع التجربة من أسبانيا..لما اكتشف أمريكا..هل تعلم إنه ذهب
لاكتشاف الهند أساساً..فاكتشف أمريكا بالصدفة !! .
وإذاً..عليك
أن تدرك أهمية التجربة في اكتشاف موهبتك التي لا تعرفها..فسوف تظل طوال الوقت
ساكنة في موقعها الخفي..حتى تتحرك لاستخراجها وتلميعها وصقلها..وكلما تحركت بسرعة
نحوها..كلما اختصرت وقت اكتشافك لها .
أما
إن كنت من الذين يخوضون التجارب بقلب قوي..فأنت إذاً مهيأ تماماً لاكتشاف
موهبتك..فانطلق..جرَّب كل شيء..العب كرة القدم..ارفع صوتك بالغناء..ثم استمع إلى
تعليقات من حولك..هل وجدوك لاعباّ جيداّ ؟!..هل أطربهم صوتك أم وضعوا أصابعهم في
آذانهم ؟!..لا بأس..هذه ليست موهبتك..جرِّب أشياء أخرى..حاول الرسم..أو قرض الشعر..أو
عزف الموسيقى..حاول ثم حاول..فكلما حاولت كلما اقتربت..ولكن انتبه جيداً..كُن عفوياً
دائماً..لاتعتسف..لاتختلق..لاتُلفق..فالموهبة الملفقة هي موهبة وهمية..أنت الوحيد
الذي يراها..بينما الآخرون لايرون فيها
شيئاً
مذكوراً !! .
وقد
يحدث أن تجرب مجالات عدة ولا تجد موهبتك..ومرة ثالثة أقول لك : لاتقلق !..كُن
مؤمناً بوجودها حتى تجدها..واصل التجريب حتى تجد الطريق..لاتسمح للملل بالسيطرة
عليك..فالموهبة الفريدة قد تحتاج إلى جهد أكبرمن غيرها..وربما أن الطرق التي
سلكتها..لم تكن هي الطرق المؤدية إليها..وعليك إذاً أن تسلك طرقاً جديدة حتى تسمع
صوتها..نعم..فالموهبة دائماً تنادي صاحبها..وقد يبدأ النداء
خافتاً
في البداية..فإن لم تلتقطه بعقلك أو قلبك..فربما يختفي إلى الأبد..أما إن كنت جاهزاً
لاستقباله..فسوف يعلو النداء تدريجياً حتى يملأ حياتك..ويسيطر على أفكارك..ويجري
في دمك..فالموهبة مثل الجريمة..لابد أن تُكتشف يوماً ما !! .
وهنا
ينبغي أن نوضح أهمية أن تستقبل موهبتك بعقلك وقلبك معاً..فالعقل وحده قد
يضلك..والقلب وحده قد يخدعك..أما أن تمنح قلبك وعقلك معاً فرصة قياس موهبتك..فهذا
يضعك على الطريق الصحيح..ويجعلك مدركاً جيداً لعناصر موهبتك..ويُمَّكنك فيما بعد
من قيادتها بشكل مثالي، وسط الأنواء والعواصف التي لابد أن تعترض طريقك..فأنت
موهوب..ولن يتركك الأغبياء وأعداء النجاح في حالك أبداً !! .
وقد
يُوحي لك البعض بأن الموهبة قد تُكتشف بالصدفة البحتة..وهذا نصف الحقيقة
بالفعل..أما نصفها الآخر الأهم..أن الصدفة لا تأتي إلا إن كنت تمشي في طريقها..فإن
كنت تسير في طريق آخر فلن (يتصادف) أن تجدها – أو بالأحرى (تجدك) ! – ثم أنت بعد
ذلك لن تصنع منها شيئاً ما..لن تحولها من مجرد فكرة تجول بخاطرك
إلى
(شيء) ملموس يراه الجميع ! .
ولعل الكثيرين يذكرون لك مثال
التفاحة التي سقطت على رأس "اسحق نيوتن" فاكتشف الجاذبية..وهذا نصف
الحقيقة..أما نصفها الأهم فأن "نيوتن" العبقري – الذي يقاس عليه مستوى
الذكاء العالمي..بعد آينشتين - كان موهوباً في الرياضيات..فلما سقطت التفاحة نظر
إلى الأمر نظرة رياضية خالصة..فوضع قوانين الجاذبية
التي دفعت العالم كله إلى الأمام..ولو كانت
التفاحة ذاتها سقطت على رأس شخص جاهل، لما صنع منها شيئاً ! .
وحتى تتأكد..ليس أيسر من أن
تسأل نفسك ثم تجيب بصراحة تامة : لو كنت لا أعرف شيئاً عن الرياضيات..فهل أستطيع
أن أضع قانوناً رياضياً واحداً ؟!!..
بالطبع الإجابة جلية تماماً
!..وإليك مثال آخر : لو أنت لا تفهم شيئاً في الكيمياء..ثم دخلت إلى معمل كلية
العلوم..وبالصدفة مَزَجت أي عنصرين معاً فتصاعد دخان أزرق..فلن يتقدم علم الكيمياء
خطوة واحدة..لأنك لن تستطيع أن تحلل خصائص هذا الدخان..ولن تعرف فيم يمكن أن
تستخدمه !! .
وبالتالي تذكر دائماً : عندما
تسير في الطريق الصحيح لموهبتك..قد تجد الصدفة التي توجهك إليها..أما إن كنت في
طريق آخر..فلن تستطيع أن تلتقي (بالصدفة) التي تقودك إلى موهبتك ! .
**
والآن..وبعد أن جربت نفسك في
عدة مجالات..ثم أصغيت إلى صوت موهبتك..ثم استخرجتها من الأعماق..فلابد أن تنتقل
إلى الخطوة التالية : الجرأة..يعني الجرأة في تقديم موهبتك إلى الناس..فإن
قصرتها على نفسك..فلن تكون لها قيمة ما..أما أن تضعها أمام كل الأعين والآذان
والأفئدة..فهذا فقط ما يصنع تأثيراً فارقاً..لك أنت أولاً وللناس ثانياً ! .
فإن كانت موهبتك في الطبخ
مثلاً..فلا تكتفِ بالطبخ لنفسك أو لعائلتك..فلو توقفت عند هذه الدائرة..فلن يلمع
اسمك في عالم الطبخ أبداً..وإنما عليك أن تتحرك إلى الأمام..من الدوائر الصغرى إلى
الدوائر الكبرى..فمن دائرة الأسرة إلى دائرة الأقارب..ومنهما إلى دائرة
الأصدقاء..ثم زملاء العمل..ثم انطلق إلى الناس جميعاً!.
وفي كل دائرة سوف تجد عقبات
لابد منها..فلا تعيرها اهتماماً..لا تتوقف أبداً..تحرك طوال الوقت نحو الهدف..فإن
وجدت أخاك مثلاً لا يراك موهوباً..فقد يكون على حق وقد لا يكون..فإذا كان هذا نفسه
رأي والدك ووالدتك وأختك..فمن حُسن الفِطن أن ينتابك الشك..ولا بأس أن تعيد ترتيب
عناصر الصورة التي قدمت بها نفسك..ولكن لا تتوقف مع ذلك..تحرك نحو الدوائر الأخرى..وكن
جريئاً دائماً في طرح موهبتك..فالخجل هنا هو المكابح التي قد تعطل مسيرتك ! .
استمع بدقة إلى الآراء..وكن
قادراً على الفرز الدقيق..والمقارنة المستمرة مع الصوت الصادر من أعماق قلبك..فأنت
أعرف الناس بقدراتك..وليس من صالحك أبدأً أن تخدع نفسك..فلن يدفع الثمن أحد
سواك..لذا ضع المجاملات جانباً وافرز الانتقادات..واستخلص خطوات المستقبل من رحم
الإرشادات..فهذه في حد ذاتها موهبة..أن تميز بين الغث والثمين..وأن تحدد ما يقودك
إلى النجاح..وما لايقودك إلى شيء..إنها مَلَكة لا يتمتع بها الجميع..وإلا لما سقط
في بحر التجارب ملايين البشر..ولم ينج منهم إلا الذين صنعوا قوارب النجاة بأنفسهم
! .
ومن المهم هنا في هذه المراحل
الأولى للموهبة..أن تتعلم طوال الوقت..من تجاربك ومن تجارب الذين سبقوك في ذات
المجال..فاقرأ وشاهد وتعمق وجرِّب..ثم أعد التجربة مراراً وتكراراً..حتى تصل إلى الدرجة
التي تطمئن فيها، إلى أن موهبتك باتت جاهزة للطرح العام..فاللوحة التي ترسمها
وتراها جيدة..قد تحتاج إلى بعض الرتوش الدقيقة، التي تجعلها جيدة جداً..ولن تعرف
أبداً ما تحتاجه من لمسات..إلا بالتجربة ! .
**
وهكذا..أنت الآن صرت مستعداً
للخطوة الثالثة : تهيئة المناخ المناسب..وهذه – كما أسلفنا – لاتعتمد عليك
وحدك..وإنما أنت تسهم فيها بشكل كبير..فهناك أوقات قد لاتكون مناسبة لطرح موهبة
ما..وهناك أوقات أخرى أكثر ملاءمة..فإن استطعت أن تحدد الوقت الأفضل لطرح
موهبتك..فسوف تحظى بصدى كبير..وهذه أيضاً
موهبة إضافية..تجعلك أكثر
تألقاً ! .
ثم إن ظروف المجتمع المحيط بك
تلعب دوراً مؤثراً للغاية..فعليك أن تضعها دائماً في اعتبارك..فلا تطرح مثلاً
فيلماً تراجيدياً ، في وقت يعاني فيه مجتمعك من آثار الحرب أو الانقسامات
الداخلية..وإنما قد يكون الفيلم الكوميدي هنا أكثر تأثيراً..لأن الناس تريد أن
تخلع همومها على باب السينما..وتندمج في جو مغاير تماماً لما تعيشه ! .
وفي كل مجتمع هناك أيضاً ما
يمكن أن نطلق عليه "العوامل المساعدة"..وجزء منها أن تكون الظروف
ملائمة..والجزء الأكبر أن تجد من يؤمنون بموهبتك، ويستطيعون تقديمها على أفضل
وجه..ولقد رأينا كثيراً ممثلين يمتلكون مواهب جيدة، ولكنهم لبثوا في الظلام سنوات طويلة،
حتى جاء من يؤمن بمواهبهم، فوضعهم تحت الأضواء..وهنا فقط أدرك الناس وجودهم
وتفاعلوا معهم..فلولا
هؤلاء الذين أخرجوهم من تحت
الأرض، وأزالوا التراب عن جواهر مواهبهم..لما تحولوا إلى نجوم لامعة..يطاردها
المعجبون في كل مكان ! .
وهنا يجب أن تستعين بجرأتك من
جديد..فإن خجلت في تقديم نفسك لمن يملكون وضعك في دائرة الضوء..فلن تتقدم بشكل سريع..وسوف
تجد من هم أقل منك موهبة..يقفون على منصات التتويج..بينما أنت تتفرج وتعض على
شفتيك !! .
إن "كلمة السر" التي
تصنع الفارق في هذه المرحلة هي "الاستمرار"..فلا تنسحب..لا تتوقف..انطلق
دائماً نحو الهدف..فالذين لم يقدروا موهبتك ليسوا كل البشر..تحرك إلى مكان آخر..ضع
نفسك أمام أشخاص آخرين..وطوِّر موهبتك في ذات الوقت كي تزداد
لمعاناً..فالبريق الخافت لايجذب أحداً..أما البريق المشع فيجذب الناس من أبعد نقطة
في الأفق ! .
ومهما طال بك الانتظار..كن
واثقاً من نفسك..فلابد أن تأتي اللحظة المناسبة..التي تعتلي فيها الموهبة
الحقيقية..مكانها الطبيعي على قمة الجبل ! .
تعليقات
إرسال تعليق